أى: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى لفريقاً { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } إيمانا حقا منزها عن الإِشراك بكل مظاهره ويؤمن بما { أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن الكريم على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن بحقيقة " ما أنزل إليهم " من التوراة والإِنجيل ولا يزالون مع هذا الإِيمان العميق { خَاشِعِينَ للَّهِ } أى خاضعين له - سبحانه - خائفين من عقابه، طالبين لرضاه { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أى لا يبيعون آيات الله أو حقيقة من حقائق دينهم فى نظير ثمن هو عرض من أعراض الدنيا الفانية، لأن هذا الثمن المأخوذ قليل حتى ولو بلغ القناطير المقنطرة من الذهب والفضة
فأنت ترى أنه - سبحانه - قد وصفهم بخمس صفات كريمة تدل على صفاء نفوسهم وطهارة قلوبهم، وفى هذا إنصاف من القرآن الكريم للمهتدين من أهل الكتاب
وقد ذكر القرآن ما يشبه هذه الآية فى كثير من سوره ومن ذلك قوله تعالى
لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
وقوله تعالى مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ
وقدم سبحانه إيمانهم بالقرآن على إيمانهم بما أنزل عليهم لأن القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية والأمين عليها، فما وافقه منها فهو حق وما خالفه فهو باطل وقوله { خَاشِعِينَ للَّهِ } حال من فاعل * يُؤْمِنُ * وجمع حملا على المعنى
ثم بين سبحانه جزاءهم الطيب بعد بيان صفاتهم الكريمة فقال * أُوْلۤـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ *
أى أولئك الموصفون بتلك الصفات الكريمة لهم أجرهم الجزيل فى مقابل أعمالهم الصالحة وأفعالهم الحميدة
وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق وأنه يوفيها لكل عامل على ما ينبغى وقدر ما ينبغى.
ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر؛ فإن سرعة الحساب تستدعى سرعة الجزاء فكأنه قيل: لهم أجرهم عند ربهم عن قريب، لأن الله - تعالى - سريع الحساب والجزاء
من تفسير الوسيط فى تفسير القرآن الكريم للشيخ طنطاوى
|