تفسير قوله تعالى * وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ... * سورة النحل الآية 93
وهذه الآية يقف عندها المتمحِّكون، والذين قَصُرَتْ أنظارهم في فهْم كتاب الله، فيقولون: طالما أن الله هو الذي يضِلّ الناس، فلماذا يُعذِّبهم؟ ونتعجَّب من هذا الفهم لكتاب الله ونقول لهؤلاء: لماذا أخذتُمْ جانب الضلال وتركتُم جانب الهدى؟ لماذا لم تقولوا: طالما أن الله بيده الهداية، وهو الذي يهدي، فلماذا يُدخِلنا الجنة؟ إذن: هذه كلمة يقولها المسرفون؛ لأن معنى * يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ* أي: يحكم على هذا من خلال عمله بالضلال، ويحكم على هذا من خلال عمله بالهداية، مثل ما يحدث عندنا في لجان الامتحان، فلا نقول: اللجنة أنجحت فلاناً وأرسبت فلاناً، فليست هذه مهمتها، بل مهمتها أن تنظر أوراق الإجابة، ومن خلالها تحكم اللجنة بنجاح هذا وإخفاق ذاك
وكذلك الحق ـ تبارك وتعالى ـ لا يجعل العبد ضالاً، بل يحكم على عمله أنه ضلال وأنه ضَالّ؛ فالمعنى إذن: يحكم بضلال مَنْ يشاء، ويحكم بهُدَى مَنْ يشاء، وليس لأحد أن ينقلَ الأمر إلى عكس هذا الفهم، بدليل قوله تعالى بعدها
وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *النحل: 93
فالعبد لا يُسأل إلا عَمَّا عملتْ يداه، والسؤال هنا معناه حرية الاختيار في العمل، وكيف تسأل عن شيء لا دَخْل لك فيه؟ فلنفهم ـ إذن ـ عن الحق تبارك وتعالى مُرَادَهُ من الآية
من تفسير الشيخ محمد متولى الشعراوى
|