الصفحة الرئيسية
تفسير الشيخ كشك
تفسير عائض القرنى
=> سورة سبأ
=> سورة الفتح
=> سورة النجم
=> سورة الواقعة
=> سورة الحديد
=> سورة التغابن
تفسيرالفاتحة للشعراوى
تفسير آية الكرسى
تفسيرالشيخ سيد قطب
تفسير الشيخ الصابونى
التفسيرالميسر - البقرة
تفسير بعض الآيات
صوتيات القرآن
خطب ودروس
صوتيات منوعة
خطب مكتوبة
فتاوى مختارة
الاعجاز العلمى
الاعجاز العددى
مقالات منوعة
واحة رمضان
مواقع اسلامية
اخر الاضافات
للاتصال بنا

سورة الفتح

مدنية
ترتيبها 48
آياتها 29
((
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)).
إن الله فتح لك -أيها الرسول- فتحاً مبيناً ظاهراً عظيماً نصرك به على أعدائك، ومكن لك في الأرض، وأعزك به، وأعلى قدرك وهو صلح
الحديبية؛ لأنه كان الطريق لفتح مكة والفتوح التي بعدها، ودخول الناس في دين الله أفواجاً.
((
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)).
فتح الله لك هذا الفتح العظيم -أيها الرسول- ليكون سبباً لغفران ما سبق من ذنبك وما لحق لكثرة من أسلم وجاهد وعبد الله، فحصل لك بذلك الأجر والمغفرة؛ لأنك الدال لهم على الإيمان والخير، فكتب لك بقدر أجور من اتبعك؛ ولأنك صبرت على مشقة الأذى والجهاد والدعوة فصارت كفارة لكل ذنوبك، والله بهذا الفتح أتم عليك النعمة بنصرك وإظهار دينك وكبت أعدائك، ووفقك ربك لسلوك الطريق المستقيم الموصل لرضوان الله والجنة.
((
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا)).
وينصرك بهذا الفتح نصراً عزيزاً يهاب فيه جانبك ويرهب منك أعداؤك ويمكن لك بسببه من إعلاء كلمة الله.
((
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)).
الله هو الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين، فوثقوا بنصر الله، وسكنوا إلى وعده، وثبتوا في المحن، وصدقوا في مواقف الابتلاء، وازدادوا يقيناً في دينهم ورسوخاً في تصديقهم بربهم وبرسولهم، والله له جنود السموات والأرض، ينصر من يشاء من أوليائه ويذل من يشاء من أعدائه، وليس بحاجة إلى نصرة أحد من الناس، ولكن ليبتلي المؤمنين بجهاد الكافرين، ويتخذ من عباده شهداء ويمحص قلوب الأتقياء في مواطن اللقاء، وكان الله عليماً بما يصلح للعباد، حكيماً فيما قدره ودبره من أمر الدنيا والمعاد.
((
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا)).
ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحت دورها وقصورها وأشجارها الأنهار، وهم باقون في الجنة أبداً لا يموتون ولا يخرجون منها، ويعفو الله عن خطاياهم فلا يعذبهم بها، وكان هذا الثواب من الله نجاة من كل كرب وظفراً بكل محبوب.
((
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)).
ويعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الذين يظنون بالله ظناً سيئاً أنه لن ينصر أولياءه على أعدائه ولن ينجز لعباده ما وعدهم به من الفوز والفلاح، فعليهم تدور دوائر الخزي والهلاك والذل والصغار، وغضب الله عليهم مع طرده إياهم من رحمته وجنته، وهيأ لهم ناراً تلظى يصلون سعيرها خالدين فيها أبداً.
((
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)).
ولله تعالى جنود السموات والأرض، ينصر بهم من أراد من عباده، وكان الله عزيزاً في انتقامه وسلطانه، حكيماً في خلقه وصنعه، وتدبيره وشرعه.
((
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)).
إن الله أرسلك -أيها الرسول- شاهداً على الأمة بالبلاغ، تقيم الحجة عليهم وتبين المحجة لهم، وتبشر من أطاعك بالجنة وتحذر من عصاك بالنار.
((
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)).
فبإرسال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يؤمن بذلك عباده الصالحون، وينصرون ربهم بنصر دينه في الأرض، ويعظمون الله بالعمل بطاعته وترك معصيته، ويسبحون الله قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
((
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)).
إن المؤمنين الذين يبايعونك -أيها الرسول- في
الحديبية على القتال كأنهم يبايعون الله، ويعطون الله العهد على نصرة دينه طلباً لرضاه ورحمته، يد الله فوق أيديهم، فهو معهم بعلمه سبحانه ونصره ورعايته، يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم، ويعلم ما تكنه صدورهم، ومن صدق وأوفى بما بايع عليه من الصدق والصبر والجهاد في سبيل الله، فسيمنحه ربه الثواب الجزيل من الفوز بالجنة والنجاة من النار. وفي الآية إثبات اليد لله بما يليق بجلاله سبحانه.
((
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)).
سيقول لك -أيها النبي- الذين تخلفوا عنك في الخروج إلى
مكة إذا سألتهم عن سبب التخلف: شغلتنا أموالنا وأهلونا من النساء والذرية فاطلب من الله أن يعفو عنا، وهذا القول يقولونه باللسان، وليس له حقيقة في قلوبهم، فهم كاذبون في قولهم، فقل لهم -أيها الرسول- لا أحد يستطيع صرف خير كتبه لكم ولا دفع شر قدره الله عليكم، وليس الأمر كما تظنون من أن الله لا يطلع على ما أخفته صدوركم، بل هو عالم بما خفي وبما ظهر، لا تخفى عليه خافية، وسوف يحاسبكم بما أعلنتم وأسررتم.
((
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا)).
وليس بصحيح عذركم من أن الأموال والأهل شغلتكم عن الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الصحيح أنكم ظننتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه لن يعودوا إلى أهليهم وسيهلكون، وحسن
إبليس لكم هذا الظن الكاذب فاعتقدته قلوبكم، وظننتم أسوأ الظن من أن الله لا ينصر رسوله، ولا يعلي كلمته، ولا يعز دينه، وكنتم قوماً خاسرين فاشلين لا خير فيكم ولا صلاح يرجى منكم.
((
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)).
والذي لا يؤمن بالله ولا برسوله ولا يعمل بشرع الله فإنه كافر، وقد هيأ الله للكفار عذاب النار مع الخزي في الدنيا، والعار والذل والصغار.
((
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)).
ولله ملك السموات والأرض وله تدبيرهما، يعفو عمن أراد من العباد كرماً وفضلاً، ويعذب من أراد منهم جزاءً وعدلاً، وكان الله كثير العفو والغفران لمن تاب من العصيان، واسع الرحمة لمن أناب إليه.
((
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)).
سوف يقول لك الذين تخلفوا عنك -أيها الرسول-: إذا خرجت أنت ومن معك من المؤمنين إلى غنائم
خيبر التي وعدكم الله بها، دعونا نخرج معكم إلى خيبر لنصيب معكم من الغنائم، يريدون أن يغيروا ما وعدكم الله به، وما قدره من عدم خروجهم معكم، فقل لهم -أيها الرسول-: لن تخرجوا معنا لغنائم خيبر ؛ لأن الله أخبرنا قبل عودتنا إلى المدينة أن غنائم خيبر لمن شهد الحديبية مع الرسول صلى الله عليه وسلم وليس لمن غاب عنها شيء منها فسوف يقول لكم المخلفون: ليس الأمر كما قلتم من أن الله قضى بذلك، لكنكم منعتمونا من الخروج معكم حسداً منكم لنا لئلا يحصل لنا من غنائم خيبر شيء، وقد كذبوا في ذلك، فهم لا يفقهون في أحكام الله ودينه، ولا يفهمون ما يحل لهم وما يحرم عليهم إلا أموراً يسيره ظاهرة سمعوا بها.
((
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)).
قل -أيها الرسول- للبدو الذين تخلفوا عن الخروج معك: ستدعون إلى قتال قوم أهل بأس شديد في المعارك، تقاتلون هؤلاء القوم أو يدخلون في الإسلام، فإن تطيعوا الله وتقاتلوا مع رسوله يثبكم على ذلك ثواباً عظيماً وهو الجنة، وإن تعرضوا عن الاستجابة وتعصوا الله كما عصيتموه يوم تركتم الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
مكة يعذبكم عذاباً مؤلماً موجعاً.
((
لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)).
ليس على الأعمى إثم، ولا على الأعرج إثم، ولا على المريض إثم إذا تخلفوا عن الجهاد في سبيل الله، فهم معذورون لهذه العاهات، ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحت دورها وقصورها وأشجارها الأنهار، ومن يعرض عن طاعة الله وطاعة رسوله ويترك الجهاد في سبيله يعذبه عذاباً مؤلماً موجعاً.
((
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)).
لقد رضي الله عن المؤمنين الذين بايعوك بيعة الرضوان تحت الشجرة، فاطلع على ما في قلوبهم من الإخلاص والصدق والإيمان، فأنزل الله على قلوبهم طمأنينة الإيمان وثبتهم وزادهم يقيناً ورسوخاً في الدين، وأخلف عليهم عما فاتهم بصلح
الحديبية فتح خيبر وهو قريب من صلح الحديبية .
((
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)).
وعوضهم مغانم كثيرة من أموال
اليهود في خيبر ، وكان الله عزيزاً في انتقامه ممن عاداه، وهو المعز لمن والاه، حكيماً في خلقه وصنعه، وتدبيره وشرعه.
((
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)).
وعدكم الله أيها المؤمنون مغانم كثيرة تأخذونها في زمانها الذي كتبه الله؛ فقدم الله لكم غنائم
خيبر ، وحماكم من أذى الناس فلم يصبكم شيء مما أعده الكفار من الحرب والمكيدة، وحفظ أهلكم وأموالكم في المدينة من شر أعداء الإسلام؛ وليكون نصركم وهزيمة أعدائكم وما حصل لكم من الظفر والغنيمة علامة تهتدون بها على نصر الله لكم وحسن ولايته وجميل رعايته لكم، ويوفقكم للهدى القويم والصراط المستقيم في أقوالكم وأفعالكم وأحوالكم.
((
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)).
وقد هيأ الله لكم غنيمة أخرى لم تستطيعوا الحصول عليها، والله وحده الذي قدرها ويسرها لكم، وهي في حكمه وتصرفه، وسوف ينجز لكم ما وعدكم به في جنته؛ لأنه قادر على كل شيء لا يعجزه أمر، ولا يصعب عليه شيء.
((
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا)).
ولو قاتلكم الكفار في
مكة لهزمهم الله ونصركم عليهم، ولفروا من المعركة وأعطوكم ظهورهم، وليس لهم من دون الله من يتولى أمورهم ويرعى شؤونهم، وليس لهم ناصر يدافع عنهم، فهم مخذولون خاسرون.
((
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)).
وهذه طريقة الله التي سنها فيمن سلف من الأمم من أنه ينصر أولياءه ويخذل أعداءه، ولن تجد لسنة الله تغييراً، بل هي ثابتة دائمة مطردة.
((
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)).
والله هو الذي منع أيدي الكفار من أن تصل إليكم بأذى، ومنع أيديكم من أن تتناولهم بأذى ببطن
مكة ، من بعدما أظهركم الله عليهم ومكنكم منهم، فأصبحوا تحت قهركم، وهؤلاء جماعة من الكفار قرابة ثمانين، أرادوا المكيدة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقبض عليهم الصحابة ثم عفا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الله مطلعاً على أحوال وأعمال عباده لا يغيب عنه من علمها شيء.
((
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)).
هؤلاء الكفار هم الذين كفروا بالله وأنكروا وحدانيته، وكذبوا رسوله، ومنعوكم يوم
الحديبية من الوصول إلى المسجد الحرام، ومنعوا الهدي وحبسوه أن يصل إلى مكان نحره من الحرم، ولولا أن بين الكفار رجالاً مؤمنين ضعفاء ومؤمنات يخفون إيمانهم خوفاً من الكفار، وأنتم لا تميزون بين هؤلاء وهؤلاء فينالكم بهذا القتل ذنب وحرج وغرامة بغير تعمد منكم لسلطكم الله على الكفار؛ ليدخل الله في رحمته من أراد من عباده فيهديهم بعد الضلال، لو تميز المؤمنون عن كفار مكة وانحازوا عنهم لعذب الله الكفار بأيدي المؤمنين أو بهلاك من عنده، ولكنهم اختلطوا بالمؤمنين.
((
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)).
إذ حمل الكفار أنفة الجاهلية وكبرها في قلوبهم فلم يتواضعوا للحق ويتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل حملهم العناد على الكفر والتكذيب، وأبوا أن يكتبوا في صلح
الحديبية (بسم الله الرحمن الرحيم) فأنزل الله الثبات واليقين والطمأنينة على الرسول وأصحابه فثبتوا على الحق وثبتوا على لا إله إلا الله، وتمسكوا بها وقاموا بحقها، وهي أصل كل تقوى، والرسول صلى الله عليه وسلم أحق بهذه الكلمة وأولى وأجدر من الكفار، وكان الله عالماً بكل شيء، مطلعاً على كل صغيرة وكبيرة، لا تخفى عليه خافية.
((
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)).
لقد صدق الله رسوله صلى الله عليه وسلم في رؤياه التي رآها في المنام؛ فكانت رؤيا حق وقعت كما أراه الله إياها من أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وهم آمنون لا يخافون الكفار، فمنهم المحلق لشعر رأسه، ومنهم المقصر، فاطلع الله على الخير والمصلحة في تأخير فتح
مكة هذا العام وفتحها فيما بعد ذلك، وهو سبحانه يعلم ما لا يعلم العباد؛ لأنه عالم ما خفي وما ظهر، فهيأ الله ويسر من قبل فتح مكة فتح خيبر ، وكان صلح الحديبية أول هذا الفتح المبين.
((
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)).
الله وحده الذي أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بالبيان الشافي، والهدى الواضح، والبرهان الساطع، ودين الإسلام؛ ليعلي دينه على سائر الأديان، ويكفيك الله -أيها الرسول- ومن اتبعك شاهداً على صدق رسالتك، وأنه ناصرك ومظهر دينك وقاهر عدوك.
((
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)).
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ومن اتبعه أشداء على الكفار، أهل اعتزاز بدينهم، أقوياء بعقيدتهم، وهم رحماء فيما بينهم، بعضهم يعطف على بعض، تراهم ركعاً سجداً لله في صلاتهم، يحافظون عليها في أوقاتها كما شرعت، يؤدونها على أكمل وجه، يطمعون في فضل الله وكرمه ورحمته وثوابه فيخلصون العمل له، علامة عبادتهم لربهم، بادية على وجوههم من الخشية والخشوع والصدق من آثار سجودهم وطاعتهم لربهم وهذه صفتهم المذكورة في
التوراة ، وصفتهم في الإنجيل كالزرع الذي أخرج من الطين ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعه، واشتد ساقه، وقوي وصلب واستوى قائماً على سيقانه، أخضر جميل المنظر، يعجب بشكله ولونه وبهائه الزراع، ليغيظ الله الكفار بهؤلاء المؤمنين في كثرة عددهم وقوة إيمانهم والتفافهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم وجمال منظرهم، فلا يبغض الصحابة إلا كافر؛ لأن الله لا يغيظ بالصحابة إلا كل عدو لهم، وعد الله المؤمنين الصالحين عفواً عن سيآتهم وثواباً جزيلاً على أعمالهم مع خلودهم في جنات النعيم في جوار رب كريم؛ وهذا وعد من الله محقق، والأولى به صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم من سار على منهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
 


Aujourd'hui sont déjà 2 visiteurs (4 hits) Ici!
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement